روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | أم سلمة المخزومية رضي الله عنها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > أم سلمة المخزومية رضي الله عنها


  أم سلمة المخزومية رضي الله عنها
     عدد مرات المشاهدة: 1985        عدد مرات الإرسال: 0

هي أم المؤمنين، هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية القرشية المشهورة بكنيتها أم سلمة، والدها سيّد من سادات قريشٍ المعدودين، وكان بين الناس مشهوراً بالكرم وشدّة السخاء حتى لُقّب بـ: زادُ الراكب، إذ كان يمنع من يرافقه في سفره أن يتزوّد لرحلته ويكفيه مؤونة ذلك.

وهي بنت عم خالد بن الوليد رضي الله عنه، وبنت عم أبي جهل بن هشام.

كانت أم سلمة رضي الله عنها من الجيل الأوّل الذي أسلم مبكّرا في مكة، ونالت في ذلك ما ناله المؤمنون من صنوف الأذى وألوان العذاب، حتى أذن الله للمؤمنين بالهجرة الأولى إلى الحبشة، لتنطلق هي وزوجها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي مهاجريْن في سبيل الله، فارّين بدينهم من أذى قريشٍ واضطهادها، محتمين بحمى النجاشي الملك العادل.

ولما أرادت تلك الأسرة أن تهاجر إلى المدينة، واجهت الكثير من المصاعب والإبتلاءات، فقد تسامع قومها بنو المغيرة بتأهّبها وزوجها للرحيل فقالوا لزوجها: هذه نفسك غلبْتنا عليها، فعلام نتركك تأخذ أم سلمة وتسافر بها؟ ، فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوها منه، فغضب لذلك بنو عبد الأسد قوم زوجها وقالوا: والله لا نترك إبننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا الولد بينهم حتى خلعوا يده، وإنطلق به بنو عبد الأسد، وظلّت أم سلمة عند بني المغيرة وإنطلق الزوج مهاجراً لوحده.

وهكذا تفرّق شمل الأسرة، وإبتليت بلاءً عظيماً، فالزوج هاجر إلى المدينة، والزوجة عند أهلها في مكة، والولد مع أهل أبيه، مما كان له عظيم الأثر على نفس أم سلمة رضي الله عنها، فكانت تخرج كل يوم إلى بطحاء مكة تبكي، وتتألم لما أصابها، وظلّت على حالها قرابة سنة، حتى مرّ بها رجل من قومها وهي تبكي، فرحمها ورقّ لحالها، فانطلق إلى قومه قائلاً لهم: ألا تطلقون سبيل هذه المسكينة؟ فإنكم فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، فأجابوه لذلك وقالوا لها: الحقي بزوجك إن شئت.

ولما سمع بنو عبد الأسد ذلك ردّوا عليها ولدها، فإنطلقت من فورها إلى مكة، تقول أم سلمة رضي الله عنها واصفةً رحلتها: فجهّزت راحلتي، ووضعت ابني في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله، حتى إذا كنت بالتنعيم -موضع من مكة- لقيت عثمان بن طلحة -وكان يومئذٍ مشركاً-، فقال لي: إلى أين؟، قلت: أريد زوجي بالمدينة، فقال: هل معك أحد؟، فقلت: لا والله، ما معي إلا الله وابني هذا، فأخذته النخوة فقال: والله لا أتركك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب أكرم منه، كان إذا نزل المنزل أناخ بي ثم تنحّى إلى شجرة فإضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فجهّزه، ثم إستأخر عني وقال: إركبي، فإذا ركبت وإستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني، فلم يزل يصنع ذلك حتى أقدمني المدينة.

وفي غزوة أحد أُصيب زوجها بجرح عميق، وبعد شهور تُوفي رضي الله عنه متأثراً بجرحه، وهذا إبتلاء آخر يصيب أم سلمة، بعد رحيل زوجها من الدنيا تاركاً وراءه أربعة من الأولاد هم: برة وسلمة، وعمر، ودرة، فأشفق عليها صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكرالصديق رضي الله عنه فخطبها، إلا أنها لم تقبل، وصبرت مع أبنائها.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفكر في أمر تلك المرأة الكريمة، المؤمنة الصادقة، الوفية الصابرة، فتقدم لها وتزوجها مكافأة ومواساة لها، ورعاية لأبنائها.

تقول أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله {إنا لله وإنا إليه راجعون} اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها»، فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إني كبيرة السنّ، وأنا غيور-أي تغار من ضرائرها من النساء- وذات عيال، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عز وجل، وأما العيال فإلى الله ورسوله» رواه مسلم، فتزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع من الهجرة.

وقد أخذت أم سلمة حظّاً وافراً من أنوار النبوّة وعلومها، حتى غدت ممن يُشار إليها بالبنان فقها وعلماً، بل كان الصحابة يفدون إليها ويستفتونها في العديد من المسائل، ويحتكمون إليها عند الإختلاف، ومن ذلك أن أبا هريرة وبن عباس إختلفا في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها، فقال أبو هريرة: لها أن تتزوج، وقال ابن عباس: بل تعتدّ أبعد الأجلين، فبعثوا إلى أم سلمة فقضت بصحّة رأي أبي هريرة رضي الله عنهم.

وكانت رضي الله عنها من النساء العاقلات الناضجات، يشهد لهذا ما حدث يوم الحديبية، بعد كتابة الصلح، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من نسكهم، وحثّهم على النحر ثم الحلق، فشقّ ذلك على الصحابة الكرام، ولم يفعلوا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة مغضباً، فذكر لها ما كان من أمر المسلمين وإعراضهم عن أمره، ففطنت رضي الله عنها إلى سبب إعراضهم وعدم إمتثالهم، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أتحب أن يمتثلوا لأمرك؟، اخرج فلا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك، فقام وخرج، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضاً، قال الإمام ابن حجر: وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها.

وفي شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة أسلمت روحها الطاهرة إلى خالقها، وكانت قد بلغت من العمر أربعاً وثمانين سنة، حين بلغها مقتَلُ الحسين، فوجَمَت لذلك، وحَزِنَت عليه كثيراً، وغُشيَ عليها، ولم تلَبث بعدهُ إلا يَسيراً، فكانت آخر أمهات المؤمنين موتاً، فرضي الله عنها، وعن جميع أمهات المؤمنين.

المصدر: موقع إسلام ويب.